د/يحيى بن ابراهيم اليحيى 


د. يحيي بن إبراهيم اليحيي / علاج القلوب لاستقبال لذة الإيمان

image

د. يحيي بن إبراهيم اليحيي / علاج القلوب لاستقبال لذة الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

فإنّ هناك نعمةً تصغر عندها جميع النعم، ويصغر على من تذوقها كل ألم، ألا وهي حلاوة الإيمان وطعم الإيمان ولذة مناجاة الملك الديان، وفي الصحيح عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا"، ومعنى رضي: قَنِع واكتفى ولم يطلب غيره.

ولقد تذوق حلاوة الإيمان جيل الصحابة، وجيل التابعين، وما يزال يتذوقه أهل الإيمان في كل عصر ومصر، وغير خاف ما نُقِل عن عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه حين ساوَمه قيصر على الردة عن الإسلام وإعطائه نصفَ ملكه فقال له: "لو أعطيتني ملكك كلَّه على أن أرتد عن دين محمد طَرْفةَ عين ما فعلت"، وقصة عروة بن الزبير حين قطعت رجله وهو ساجد يناجي ربه، قد وجد حلاوة الإيمان فلم يشعر بها إلا بعد أن فرغ من صلاته، وهذا مسلم بن يسار يصلي فيَسقُط جانبُ المسجد ويفزع الناس، وبعد صلاته قال: "والله ما شعرت"، وحين احترق بيته وتصايح النساء وهو يصلي لم يلتفت فسأله ابنه عبد الله فقال: "ما علمت بما كان".

وهذا محمد بن المنكدر يقول: "إني لأدخل في الليل فيهولني ثم يطلع الصبح وما قضيت منه أَرَبي"؛ لما وجده من لذة المناجاة.

وعامر بن قيس وثابت البناني وغيرهما من التابعين بكَوا حين حضرتهم الوفاة، فلما سئلوا بينوا أنّ بكاءهم ليس خوفا من الموت ولا حزنا على الدنيا، وإنما لانقطاع لذة المناجاة في ظلمات الليل. وقد قال بعض السلف: إنه ليمر بالقلب ساعات يرقص لها طربا أقول إن كان أهل الجنة في مثل ما نحن فيه من النعيم إنهم لفي نعيم طيِّب، وقال غيره: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف"، وقال ابن تيمية: "إن في الدنيا جنةً من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة".

وإن من المشاهد أننا قليلا ما نشعر بلذة الإيمان وطعم الإيمان، وقد لا نكون تذوقنا حلاوة مناجاة الله تعالى، ولهذا امتلأت قلوبنا من خوف المخلوقين الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.

ذلك أن قلوبنا لم تؤسس على معرفة الله تعالى والخوف منه ورجائه سبحانه، وإصلاحها يحتاج إلى خطوات كثيرة في نظري من أهمها:

1-العمل الجاد على تطهير القلب من الحقد والكبر والحسد وسوء الظن والبغضاء وغيرها، ولنعلم أن هذه كبائر الباطن، ولا تجتمع مع نور الله تعالى في القلب، وإياك وتزكية نفسك بأن تظن أن هذه غير موجودة فيك. وكن صريحا مع نفسك في معرفة عيوبك ومعالجتها.

2-إعمار القلب بكثرة الذكر؛ فإن الذكر لا يؤثر في القلب حتى يكون كثيرا، ولهذا جاء في نصوص الوحي مرغَّبًا فيه وفي الإكثار منه، فليكن ذكر الله تعالى كشهيقك وزفيرك، فلا يفتر لسانك عن ذكره سبحانه مع حضور القلب وفهم معنى الذكر، حتى تجد حلاوة الذكر في لسانك وقلبك.

3-الإقبال على كتاب الله تعالى تلاوة وتدبرا، وليكن لك ورد يومي من القرآن الكريم، وإن حافظت على ورد الصحابة فهو أيسر وأكثر أثرا.

4-ملازمة الاستغفار مع استشعار كثرة ذنوبك، واعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستغفر في المجلس الواحد مائة مرة.

5-الحرص الدائم على التبكير إلى الصلوات الخمس مع المحافظة التامة على الرواتب والوتر، والإكثار من النوافل. (وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه).

6-معرفة الله تعالى معرفة علمية قلبية، بدراسة أسمائه وصفاته وأفعاله سبحانه، ومعرفة معانيها وآثارها، وتدبرها، حتى يجد المسلم طعم الإيمان وحلاوته ولذة المناجاة لله رب العالمين، فإن من خفي العقوبات حرمانَ لذة المناجاة.

7-اليقين التام مع التذكر الدائم بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، وأنّ رزقك مكفولٌ لك.

8-أن تستشعر مراقبة الله تعالى لك واطلاعَه عليك في خلواتك، واجتماعك، وأنك ستدفن وحدك وتحاسب وحدك.

9-الإكثار من ذكر الموت، واستحضار قربك من اليوم الآخر وما أعده الله لعباده الصالحين من النعيم المقيم وما أعد لأعدائه من العذاب الأليم: (إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا).

10-ليكن من وردك اليومي استحضارُ نعم الله عليك في نفسك وأهلك وعلى العالمين، وحاول أن تعُدَّها ولن تحصيها، وتذكر برامج الشكر على هذه النعم.

11-أَلزم نفسَك بوظائف على الأوقات كما هي حال السلف حيث جعلوا لكل وقت من اليوم والليلة وردًا، وحاسب نفسك عليه، فإن النفس لا تطاوعك أن تحاسبها إلا وفق برنامج وضع لها.

12-مراجعة كسبك والتأكد من خلوِّهِ من الشبه فضلا عن المحرمات مع الاهتمام بالصدقة اليومية.

13-قد تذهب كثير من حسناتك إلى العباد بسبب التفريط في حقوقهم، فاحرص على إعطاء كل ذي حق حقه، من الوالدين، والأهل، والأرحام والأقارب والجيران، وليكن لك برنامج في التواصل معهم وإيصال الحقوف إليهم.

14-الابتعاد عن الغيبة والنميمة، ومجانبة مجالسها وهجرها، والمحاسبة اليومية على ذلك.

15-ليكن كل حديثك فيما يعنيك فإن المؤمن يسأل نفسه (ما أردت بكلمتي)

16-البعد عن الظهور والشهرة فإنها داءٌ عظيم مفسد للقلب، ومجاهدة النفس للتخلص منها.

17-التخلص من الغفلة التي أحاطت بالقلوب وشغلتها عن علام الغيوب، والبعد عن الصوارف عن ذكر الله تعالى مثل بعض برامج أجهزة الاتصال الحديثة.