د/يحيى بن ابراهيم اليحيى 


د. يحيي بن إبراهيم اليحيي / ذكرى عاشوراء

image

د. يحيي بن إبراهيم اليحيي / ذكرى عاشوراء

بسم الله الرحمن الرحيم

إن المؤمن قوام بأمر الله وعبادته، صبار على الشدائد والمصائب, شكور لنعم الله قائم بها لا يعرف البطر والسرف والخيلاء, يعلم أن كل نعمة من الله تعالى فيقوم بشكرها {وما بكم من نعمة فمن الله} ، {لئن شكرتم لأزيدنكم}.

والمؤمنون عصبة واحدة مهما افترقت بهم الأوطان وحجبت بينهم حجب التاريخ والأزمان؛ فإن ذلك لا يفرق بينهم بل يرون كل مصيبة نزلت بمؤمن كأنها نزلت بهم, وكل نصر نزل بالمؤمنين فإنه نصر لهم يقومون بشكره.

ولما نصر الله موسى وأغرق فرعون صام موسى ذلك اليوم شكرا لله تعالى واعترافا بفضله ونعمته وعرفانا بنصر الله {وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم}.

أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا? قالوا: هذا يوم صالح, هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. قال: فأنا أحق بموسى منكم, فصامه وأمر بصيامه".

وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: "يكفر السنة الماضية" رواه مسلم.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" رواه مسلم.

وفي قصة موسى وفرعون من العظات ما هو حقيق بالتأمل والاعتبار، فليس اليهود بأولى منا في تعظيمهم ليوم إنجاء الله تعالى موسى ومن معه من فرعون وجنوده. وقصة نجاة موسى من فرعون تنوع الخطاب القرآني فيها وتكرر ورودها في أكثر من سورة في كتاب الله الكريم. فمعرفة كنه القصة وأسرارها وأطوارها من معرفة سنن الله تعالى في الكون والشرع، ولن تجد لسنة الله تبديلًا. وفيها وقفات:

أولا: الطغاة يتهمون موسى وقومه بأنهم ما دعوهم إلا لطلب الدنيا وزينتها وذلك لغلبة الدنيا على عقولهم وقلوبهم، فلا يتصورون أي تحرك في الكون إلا من أجل الدنيا والتجبر فيها، كما قيل " كل إناء بما فيه ينضح"، {قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون}.

فانظر إلى الطغاة يصورون أن الإيمان بالله واتباع رسل الله مؤامرة على حيازة الدنيا وحطامها {قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون}.

ثانيًا: الطغاة لا يقفون عند حد الملك والتسلط والتعالي على الناس، بل يظنون أنهم يملكون حتى الناس، فهم عبيدهم فيجب أن لا يفكروا إلا بأمرهم ولا يختاروا طريقا إلا بعد إذنهم {قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر}.

ثالثًا: الطغاة وأتباعهم يضللون الشعوب فيصورون لهم أنهم حماة الدين وأن لا قصد لهم في ضرب الأنبياء وأتباعهم إلا خشيةُ إفسادهم للدين والحرصُ على مقدرات الشعوب وخيراتها وأمنها من هؤلاء الذين يهدفون إلى الإفساد في الأرض ولذا فهم يقتلونهم بإرادة الشعب لا بإرادتهم هم, ولمصلحة الشعوب لا لمصلحتهم هم فهم لا يخشون منهم أبدا فكأنهم يستشيرون الشعوب في قتلهم {وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد}.

رابعًا: أعوان الطغاة وجلساؤهم يستعْدُون السلطة على الرسل وأتباع الرسل, ويتهمونهم بالإفساد في الأرض تمويها على الشعوب ومصادرة لصوت الحق من أن يظهر{وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون}.

خامسًا: دين الطغاة ادعاء الفضل على غيرهم بما في أيديهم من أمر الدنيا وزخرفها مضللين شعوبهم بأن هذا هو معيار التفاضل لا غير {ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذين هو مهين ولا يكاد يبين فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين}.

سادسًا: أهل الظلم والفجور والطغيان حين ينزل الله عليهم بعض عقوباته يتهمون الرسل وأهل الإيمان بهذه العقوبات والنقص الذي حصل لهم, وإذا أصابهم من الله خير ونعمة صرفوها لقدرتهم وتخطيطهم ودراستهم {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين}.

وبعد، فقد أنجى الله موسى وقومه من ظلم فرعون وقومه ومكن لهم في الأرض، فقد قال تعالى: {وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون}.

وقصة موسى عليه السلام مع فرعون كلها مواعظ وعبر، ترفع الحجاب عما وقع من الجرائم الشنيعة في عصور مضت, وما انتهى إليه جبروت الظلمة وطغيانهم, وما آل إليه أمرهم، وعاقبة أهل الإيمان والصلاح.